العمال عن بُعد الدوليون يقودون ارتفاعًا ملحوظًا في الطلب على السكن في برشلونة. فمع تغيّر تفضيلات العمل بعد جائحة كوفيد-19، وتسريع هذا التحول بإطلاق إسبانيا لتأشيرة الرحالة الرقميين، شهدت المدينة ازديادًا كبيرًا في طلب الأجانب على السكن خلال العامين الماضيين، وفقًا لأحدث البيانات.
البدو الرقميون يعززون الطلب على السكن في برشلونة
منذ أن اكتسبت ثقافة العمل المرن زخمًا عالميًا، برزت إسبانيا، وخاصة مدينة برشلونة، كوجهة مفضلة للعاملين عن بُعد. وقد ساهم إطلاق "تأشيرة الرحالة الرقميين" في إسبانيا عام 2023 بشكل كبير في تعزيز هذا الاتجاه، حيث ارتفع الطلب على السكن من قِبل المهنيين الأجانب العاملين عن بُعد بنسبة 42٪ في برشلونة، وفقًا لتقارير حديثة.
تُعد برشلونة خيارًا رائدًا للرحالة الرقميين بفضل بنيتها التحتية المتطورة، ومجتمعها الدولي الكبير، وبيئتها الريادية الداعمة، وتكاليف المعيشة المنخفضة نسبيًا مقارنةً بمدن أوروبية شهيرة أخرى. كما تواصل المدينة تصدُّر قائمة مراكز الشركات الناشئة في أوروبا، بدعم من اللوائح المشجعة والاستثمارات في الابتكار. ووفقًا لتقرير Startup Heatmap Europe، تتفوّق برشلونة على مدريد وتُعد المركز الأوروبي الوحيد للشركات الناشئة الذي لا يُصنَّف كعاصمة مالية وطنية.
انتقل العديد من روّاد الأعمال وأصحاب المشاريع الصغيرة إلى برشلونة للاستفادة من بيئتها الحاضنة للمشاريع الناشئة، بينما بدأت شركات التكنولوجيا الدولية بتأسيس مكاتب إقليمية أو توظيف المواهب عن بُعد من داخل المدينة، ما عزّز مكانة برشلونة كمركز عالمي للعمل المرن.
وبينما ينجذب بعض الرحالة الرقميين إلى حرية العمل ومزايا المرونة، يرى كثيرون في برشلونة فرصة للتمتع بجودة حياة أعلى. ووفقًا لتصريحات Saúl Cubilla، مدير التسويق في Homeclub لموقع Idealista، فإن العاملين الأجانب عن بُعد يتركّزون في أحياء مثل Eixample وGràcia وSant Antoni وEl Poblenou، حيث تتوفر شبكة مواصلات قوية ومساحات عمل مشتركة وخدمات معيشية عالية المستوى، مما يجعلها من أفضل مناطق المدينة للرحالة الرقميين.
يفضّل معظم العاملين الدوليين عن بُعد الاستئجار على الشراء، خاصةً الإيجارات قصيرة إلى متوسطة الأجل، إذ يتبنّى كثيرون منهم أسلوب حياة متنقلًا يجمع بين تجربة مدن مختلفة داخل إسبانيا قبل اتخاذ قرار الاستقرار، بينما يتخذ آخرون من برشلونة قاعدة مؤقتة قبل العودة إلى أوطانهم.
وعلى عكس السكان المحليين الذين يفضلون الإيجارات طويلة الأمد والمنازل غير المفروشة، يميل الرحالة الرقميون إلى البحث عن وحدات سكنية مفروشة جاهزة للسكن فورًا، مع تركيزهم على توفر الإنترنت السريع، ومساحات العمل الفعالة، والخدمات التي تمكّنهم من مباشرة أعمالهم منذ اليوم الأول دون تأخير.
ووفقًا لأرقام Investropa، تم إصدار أكثر من 7,000 تأشيرة رحالة رقمي في برشلونة حتى الآن. وقد ساهم هذا النمو المتسارع في زيادة مستمرة في الطلب على الإيجارات المفروشة في المواقع المركزية ذات البنية التحتية المتطورة، لا سيما تلك التي توفر خدمات حديثة، مما أحدث تحولات بارزة في سوق العقارات في برشلونة.
تأثير العمل عن بُعد على سوق العقارات في برشلونة
وصلت أسعار الإيجارات في برشلونة إلى أعلى مستوياتها خلال العقد الأخير، في حين يواصل المعروض السكني في المدينة تغيّره استجابةً للطلب المتطور. فقد شهدت الإيجارات طويلة الأمد انخفاضًا تدريجيًا خلال السنوات الخمس الماضية، مما قلّل من الخيارات المتاحة للمقيمين الباحثين عن عقود إيجار تقليدية.
في المقابل، ارتفع عدد الإيجارات الموسمية ومتوسطة الأمد بشكل ملحوظ، وهي النوعية المفضّلة غالبًا من قبل العاملين عن بُعد من الأجانب. ويبدو هذا النمو واضحًا بشكل خاص في المناطق المركزية والأحياء التي تجذب الرحالة الرقميين.
وقد ساهم تدفّق العاملين الأجانب عن بُعد في زيادة الضغط على أسعار الإيجارات، حيث تؤدي محدودية المعروض من الشقق المفروشة الواقعة في مواقع مركزية إلى ارتفاع الأسعار، مما يخلق سوقًا أكثر تنافسية لكل من السكان المحليين والوافدين الجدد.
ما هو مستقبل سوق العقارات في برشلونة؟
مع انتشار العمل عن بُعد وتزايد سهولة الوصول إليه، من المتوقع أن يواصل سوق العقارات في برشلونة تطوره. ويُرجَّح أن يظل الطلب قويًا على الإيجارات المفروشة، لا سيما إذا استمر تدفق الرحالة الرقميين في السنوات القادمة.
استجابةً لهذه التحولات، بدأت العقارات في برشلونة بالتكيف مع متطلبات العمل عن بُعد من خلال إدخال ميزات المنازل الذكية، وتوفير اتصال إنترنت عالي السرعة، وترتيبات سكن أكثر مرونة تناسب المهنيين المتنقلين.
ورغم أن نمو الإيجارات قد يظل معتدلاً، إلا أن أسعار العقارات يُتوقّع أن ترتفع تدريجيًا خلال عام إلى عامين، خاصة في الأحياء ذات البنية التحتية الجيدة والتي تحظى بإقبال من قبل العاملين عن بُعد والمشترين الدوليين.